باب فضل السلام والأمر بإفشائه
قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا - سورة النور من الآية 27
وقال تعالى فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً - سورة النور من الآية 61
وقال تعالى وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا - سورة النساء من الآية 86
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه.
(أي الإسلام) أي خصاله
(خير؟) أي أكثر ثوابًا عند الله تعالى
(تطعم الطعام) وذلك لما فيه من تحمل كلفة الفقر ودفع الحاجة عنه، ودخل فيه جليل الطعام وحقيره وقليله وكثيره
(وتقرأ السلام) أي تسلم
(على من) أي الذين
(عرفت ومن لم تعرف) الغرض من هذا إشاعة السلام ونشره بين الناس لأنه سبب من أسباب المودة بينهم.
عن أبي عبادة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم متفق عليه.
(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع) المراد منه هنا ما يشمل أمر الوجوب والاستحباب
(بعيادة المريض) أي زيارته فيسن زيارة كل مريض من المسلمين بأي مرض كان، وهي سنة وقيل فرض كفاية
(واتباع الجنائز) أي تشييعها
(وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى بأن تقول: يرحمكم الله
(ونصر الضعيف) أي إعانته على من ظلمه بالحيلولة بينهما وإعلاء حجته
(وعون المظلوم) بالقول والفعل حتى يندفع عنه أذى الظالم
(وإفشاء السلام) أي إشاعته ونشره
(وإبرار القسم) أي إمرار الحلف، أي إذا حلف إنسان على عمل شيء كأن يقول والله ليصلين مثلاً فيطلب منك إعانته على إبرار قسمه بفعلك الصلاة لينجو من الحنث.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه مسلم.
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا) فالجنة محرمة على الكافر كما قال الله تعالى إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ
(ولا تؤمنوا) أي إيمانًا كاملاً
(حتى تحابوا) أي يحب بعضكم بعضًا، وبالرغم من أن المحبة أمرًا قهريًا لا اختيار فيه على الأصح في ذلك، فإن الأسباب المؤدية إليها أرشد إليها بقوله
(أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) أي أظهروه بينكم؛ وذلك أن الله تعالى جعل إشاعة السلام وإذاعته سببًا للتوادد.
عن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام« رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
(أفشوا) أي أشيعوا وانشروا
(السلام) بينكم، والابتداء به سنة والرد واجب كفاية على الأصح.
(وأطعموا الطعام) ندبًا في نحو الضيافة، وفرض كفاية لسد حاجة المحتاج
(وصلوا الأرحام) فصلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة، وإن كانت الصلة درجات وبعضها أرفع من بعض
(وصلّوا بالليل والناس نيام) أي تهجدوا
(نيام تدخلوا الجنة بسلام) جواب لمقدر: أي إن فعلتم ما ذكر تدخلوها متلبسين بالسلام من الآفات التي تكون في غيرها، وبه سميت دار السلام على أحد الأقوال، والمراد دخولها مع الناجين، وإلا فدخولها لأهل الإيمان واجب بالوعد الذي لا يخلف. ويحتمل أن المراد مطلق دخولها مع الناجين فيكون فيه تبشير فاعل هذه الأمور بالموت على الإسلام ليكون من أهلها.