باب فضل ضعفة المسلمين
عن حارثة بن وهب رضى الله عنه قال: سمعت رسول اله صلى الله علية وسلم يقول:
(( ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو يقسم على الله لأبره, ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر )) متفق عليه
(ألا) حرف استفتاح لتنبيه السامع للكلام الآتى بعده
(أخبركم بأهل الجنة) أى بمعظمهم
(كل ضعيف) أى نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله فى الدنيا
(متضعف) يعنى أن الناس يقهرونه ويستضعفونه ويفخرون عليه لضعف
حاله فى الدنيا, وقيل المراد أنه يستضعف: أى يخضع لله سبحانه ويذل له نفسه
(لو يقسم على الله لأبره) أى لأبر قسمه: أى لو حلف يمينا طمعا فى كرم الله
بإبراره لأبره بحصول ذلك, ومن ذلك ما روى عن أنس بن النضير فى أخته
الربيع لما كسرت بالقصاص, فقال أنس والله لا تكسر سن الربيع, فرضى أهل
المرأة المجنى عليها بالأرش, فقال سن المرأة وأمرأتى بالمضارع فى فعل يقسم
لاستمرار عناية الله بهم فى إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبر قسمه كل زمن ووقت وقضاء حوائجهم وتيسير مطالبهم
(ألا أخبركم بأهل النار) أى بسماتهم وأفعالهم لتجتنبوها, هم
(كل عتل) بضم العين وهو الغليظ الجافى
(جواظ) بفتح الجيم وتشديد الواو, وهو الجموع المنوع البخيل, وقيل الضخم المختال
فى مشيته, وقيل القصير البطين لشرهه ونهمه فليس غرضه سوى ملء بطنه.
عن أبى سعيد الخضرى رضى الله عنه قال النبى صلى الله علية وسلم :
(( احتجت الجنة والنار فقالت النار: فى الجبارون والمتكبرون, وقالت الجنة فى ضعفاء
الناس ومساكينهم, فقضى الله بينهما أنك رحمتى أرحم بك من أشاء, وأنك النار عذابى أعذب بك من أشاء, ولكليكما على ملؤها)) رواه سلم.
(احتجبت الجنة والنار) أى اختصمت
(فقالت النار فى الجبارون والمتكبرون) بتشديد الياء ففى أى الذين يقهرون الغيرعلى حسب أهوائهم
(وقالت الجنة فى ضعفاء الناس) بتشديد الياء أيضا ففى أى المتواضعون منهم أو المستضعفون
فيهم لفقرهم وعدو ثروتهم, وقال عمر بن الخطاب عز الدنيا بالمال, وعز الآخرة بالأعمال
(ومساكينهم) أى والمحتاجون منهم الصابرون على الضرار من غير تضجر ولا تبرم من القضاء رضا بتدبير المولى ورضاء بما قسم لهم
(فقضى الله بينهما) أى أخبر عما أراده لهم مما سبقت به إرادته قائل
(انك الجنة) فى اللغة: عبارة عن البستان من النخيل والأعناب والمراد منها هنا مقابل النار
(رحمتى) قال الطيبى: سماها رحمة لأن بها تظهر رحمة الله كما قال
(أرحم بك من أشاء) ( وانك النار عذابى أعذب بك من أشاء) ممن تعلقت الإرادة الإلهية بتعذيبهم
(ولكليكماعليها ملؤها)فمن يدخل الجنة لا يخرج منها البتة وكذا من يدخل النار من الكفرة: أما ذوو
المعاصى من المؤمنين إذا دخلوها فلابد من خروجهم منها ودخولهم الجنة بالوعد الذى لا يخلف قال تعالى:
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و قال النبى (( من مات وفى قلبه مثقال ذرة من إيمان دخل الجنة)) رواه مسلم.